فصل: الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام ودولة بني بويه منهم المتغلبين على الخلفاء على العباسيين ببغداد وأولية ذلك ومصايره.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء الذر على لهاور ومقتله.

لما هرب الذر من غزنة أمام خوارزم شاه لحق بلهاور وكان صاحبها ناصر الدين قباجة من موالي شهاب الدين وله معها ملتان وآجر والدبيل إلى ساحل البحر وله من العسكر خمسة عشر ألف فارس وجاء الذر في ألف وخمسمائة فقاتله على التعبية ومعه الفيلة فانهزم الذر أولا وأخذت فيوله ثم كانت له الكرة وحمل فيل له على علم قباجة بإغراء الفيال وصدق هو الحملة فانهزم قباجة وعسكره وملك الذر مدينة لهاور ثم سار إلى الهند ليملك مدينة دهلي وغيرها من بلاد المسلمين وكان قطب الدين أيبك صاحبها قد مات ووليها بعده مولاه شمس الدين فسار إليه والتقيا عند مدينة سما واقتتلا فانهزم الذر وعسكره وأسر فقتل وكان محمود السيرة في ولايته كثير العدل والإحسان إلى الرعية لاسيما التجار والغرباء وكان بملكه انقراض دولة الغورية والبقاء لله وحده.

.الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام ودولة بني بويه منهم المتغلبين على الخلفاء على العباسيين ببغداد وأولية ذلك ومصايره.

قد تقدم لنا نسب الديلم في أنساب الأم وأنهم من نسل ماذاي بن يافث وماذاي معدود في التوراة من ولد يافث وذكر ابن سعيد ولا أدري عمن نقله: أنهم من ولد همام بن باسل بن أشور بن سام وأشور مذكور في التوراة من ولد سام وقال: إن الموصل من جرموق بن أشور والفرس والكرد والخزر من إيران بن أشور والنبط والسوريان من نبيط بن أشور هكذا ذكر ابن سعيد والله أعلم.
والجيل عند كافة النسابين إخوانهم على كل قول من هذه الأقوال وهم أهل جيلان جميعا عصبية واحدة من سائر أحوالهم ومواطن هؤلاء الديلم والجيل بجبال طبرستان وجرجان إلى جبال الري بهيلان وحفافي البحيرة المعروفة ببحيرة طبرستان من لدن أيام الفرس وما قبلها ولم يكن لهم ملك فيما قبل الإسلام ولما جاء الله بالإسلام وانقرضت دولة الأكاسرة واستفحلت دولة العرب وافتتحوا الأقاليم بالمشرق والمغرب والجنوب والشمال كما مر في الفتوحات وكان من لم يدخل من الأمم في دينهم دان لهم بالجزية وكان هؤلاء الديلم والجيل على دين المجوسية ولم تفتح أرضهم أيام الفتوحات وإنما كانوا يؤدون الجزية وكان سعيد بن العاص قد صالحهم على مائة ألف في السنة وكانوا يعطونها وربما يمنعونها ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد وكانوا يمنعون الطريق من العراق إلى خراسان على قومس ولما ولي يزيد بن المهلب خراسان سنة ست وثمانين للهجرة ولم يفتح طبرستان ولا جرجان وكان يزيد بن المهلب يعيره بذلك إذا قصت عليه أخباره في فتوحات بلاد الترك ويقول: ليست هذه الفتوح بشيء والشأن في جرجان التي قطعت الطريق وأفسدت قومس ونيسابور فلما أولاه سليمان بن عبد الملك خراسان سنة تسع وتسعين أجمع على غزوها ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومحاصر يقوم الرجل على باب منها فيمنعه وكانت طبرستان مدينة وصاحبها الأصبهبذ ثم سار إلى جرجان مولاه فراسة وسار الهادي إليهما وحاصرهما حتى استقاما على الطاعة ثم بعث المهدي سنة ثمان وتسعين يحيى الحرسي في أربعين ألفا من العساكر فنزل طبرستان وأذعن الديلم ثم لحق بهم أيام الرشيد يحيى ابن عبد الله بن حسن المثنى فأجاروه وسرح الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي لحربهم فسار إليهم سنة خمس وتسعين ومائة فأجابوه إلى التمكين منه على مال شرطوه وعلى أن يجيء بخط الرشيد وشهادة أهل الدولة من كبار الشيعة وغيرهم فبذل لهم المال وكتب الكتاب وجاء الفضل بيحيى فحبسه عند أخيه جعفر حسبما هو مذكور في أخباره وفي سنة تسع وثمانين ومائة كتب الرشيد وهو بالري كتاب الأمان لسروين بن أبي قارن ورنداهرمز بارخشان صاحب الديلم وبعث بالكتاب مع حسن الخادم إلى طبرستان فقدم بارخشان ورنداهرمز وأكرمهما الرشيد وأحسن إليهما وضمن رنداهرمز الطاعة والخراج عن سروين بن أبي قارن ثم مات سروين وقام مكانه ابنه شهريار ثم زحف سنة إحدى وثمانين ومائة عبد الله بن أبي خرداذيه وهو عامل طبرستان إلى البلاد والسيزر من بلاد الديلم فافتتحها وافتتح سائر بلاد طبرستان وأنزل شهريار بن سروين عنها وأشخص مازيار بن قارن ورنداهرمز إلى المأمون وأسر أبا ليلى ثم مات شهريار بن سروين سنة عشر ومائتين وقام مكانه ابنه سابور فحاربه مازيار بن قارن بن رنداهرمز وأسره ثم قتله ثم انتقض مازيار على المعتصم وحمل الديلم وأهل تلك الأعمال على بيعته كرها وأخذ رهنهم وجبى خراجهم وخرب أسوار آمل وسارية ونقل أهلها إلى الجبال وبنى على حدود جرجان سورا من طميس إلى البحر مسافة ثلاثة أميال وحصنه بخندق وكانت الأكاسرة بنته سدا على طبرستان من الترك وقد نقل أهل جرجان إلى نيسابور وأملى له في انتقاضه الأفشين مولى المعتصم كبير دولته طمعه في ولاية خراسان بما كان يضطغن ابن طاهر صاحب خراسان فدس إليه بذلك كتابا ورسالة حتى امتعض وجهز عبد الله بن طاهر العساكر لحربه مع عمه الحسن ومولاه حيان بن جبلة وسرح المعتصم العساكر يردف بعضها بعضا حتى أحاطوا بجباله من كل ناحية وكان قارن بن شهريار أخو مازيار على سارية فدس إلى قواد ابن طاهر بالرجوع من كل ناحية وكان قارن قد أتى إلى الطاعة والنزول لهم عن سارية على أن يملكوه جبال آبائه وأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على عمه قارن في جماعة من قواد مازيار وبعث بهم فدخل قواد ابن طاهر جبال قارن وملكوا سارية ثم استأمن إليهم قوهيار أخو مازيار ووعدهم بالقبض على أخيه على أن يولوه مكانه فأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على أخيه مازيار وبعث به إلى المعتصم ببغداد فصلبه وأطلع منه على دسيسة الأفشين مولاه فنكبه وقتله ووثب مماليك مازياز بقوهيار فثاروا منه بأخيه وفروا إلى الديلم فاعترضتهم العساكر وأخذوا جميعا ويقال إن الذي كان غدر بمازيار هو ابن عمه كان يضطغن عليه عزله عن بعض جبال طبرستان وكان مولاه ورأيه عن رأيه ثم تلاشت الدعوة العباسية بعد المتوكل وتقلص ظلها واستبد أهل الأطراف بأعمالهم وظهرت دعاة العلوية في النواحي إلى أن ظهر بطبرستان أيام المستعين الحسن بن زيد الداعي العلوي من الزيدية وقد مر ذكره وكان على خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وقد ولى على طبرستان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر فكان محمد بن أوس ينوب عنه مستبدا عليه فأساء السيرة وانتقض لذلك بعض عمال أهل الأعمال ودعوا جيرانهم الديلم إلى الانتقاض وكان محمد بن أوس قد دخل بلادهم أيام السلم وأثخن فيها بالقتل والسبي فلما استنجدهم أولئك الثوار لحرب سليمان ونائبه محمد بن أوس نزعوا لإجابتهم واستدعوا الحسن بن زيد مكانه وبايعوه جميعا وزحفوا به إلى آمل فملكوها ثم ساروا إلى سارية فهزموا عليها سليمان وملكوها ثم استولى الحسن الداعي على طبرستان وكانت له ولأخيه بعده الدولة المعروفة كما هو معروف في أخبارهم أقامت قريبا من أربعين سنة ثم انقرضت بقتل محمد بن زيد ودخل الديلم الحسن الأطروش من ولد عمر بن زين العابدين وكان زيدي المذهب فنزل فيما وراء السعيد دوى إلى آمل ولبث في الديلم ثلاث عشرة سنة وملكهم يومئذ حسان بن وهشوذان وكان يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ما استطاع فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبنى لهم المساجد وزحف بهم إلى قزوين فملكها وسالوس من ثغور المسلمين فأطاعوه وملك آمل ودعاهم إلى غزو طبرستان وهي في طاعة ابن سامان فأجابوه وساروا إليها سنة إحدى وثلثمائة وبرز إليها عاملها ابن صعلوك فهزمه الأطروش واستلحم سائر أصحابه ولحق ابن صعلوك بالري ثم إلى بغداد واستولى الأطروش على طبرستان وأعمالها وقد ذكرنا دولته وأخبارها في دول العلوية وكان استظهاره على أمره بالديلم وقواده في حروبه وولاته على أعماله منهم ثم قتلته جيوش السعيد بن سامان سنة أربع وثلثمائة ودال الأمر بين عقبه قواد الديلم كما هو مذكور في أخبارهم.